د. حمدي بشير

أعلن تنظيم "حراس الدين" المبايع لتنظيم "القاعدة"، في 28 يناير 2025، عن حل نفسه بعد سقوط حكم الرئيس "بشار الأسد". وجاء في بيان له أنه "بعد الانتصار على طاغية من أظلم طواغيت العصر الحديث ... ونظراً إلى هذه التطورات على الساحة الشامية، وبقرار أميري من القيادة العامة لتنظيم قاعدة الجهاد، نعلن حل تنظيم حراس الدين فرع تنظيم قاعدة الجهاد في سوريا"، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات حول أسباب إعلان تنظيم "حراس الدين" عن حل نفسه في هذا التوقيت.عوامل مفسرةثمة عوامل عديدة تقف وراء إعلان تنظيم "حراس الدين" حل نفسه في هذا التوقيت، ومن أبرزها ما يلي:1– التكيف مع التحولات السياسية في سوريا: جاء قرار حل تنظيم "حراس الدين" في أول بيان رسمي له بعد سقوط "الأسد" ووصول فصائل مسلحة مثل "هيئة تحرير الشام" إلى السلطة في سوريا، وهو السياق الذي تجد فيه العديد من التنظيمات العاملة في سوريا فرصة ملائمة لإعادة طرح أفكارها وتحقيق أجندتها السياسية.وقد أكد بيان حل التنظيم ضرورة تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في سوريا، كما أشار إلى أن التطورات الأخيرة في الساحة السورية كانت العامل المحفز لاتخاذ هذا القرار. بالإضافة إلى ذلك، يتماشى إعلان حل "حراس الدين" مع دعوة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا "أحمد الشرع" إلى حل التنظيمات المسلحة؛ حيث دعا التنظيم المنحل في بيانه الأخير "وجهاء الشام ومن يتصدرون المشهد" إلى "إقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين".2– تصدع البنية التنظيمية لـ"حراس الدين": يأتي الإعلان عن حل التنظيم في الوقت الذي يعاني فيه من هشاشة تنظيمية بسبب الضربات العسكرية الأمريكية. ويواجه التنظيم ضغوطاً من التحالف الدولي الذي يراقب تحركات قياداته، ويستمر في استهدافها بالغارات الجوية المستمرة، التي أدت إلى مقتل عدد من قياداته، ومن أبرزهم "خالد العاروري" المعروف باسم "أبو القسام الأردني" نائب القائد العام للتنظيم، و"أبو عبد الرحمن المكي"، و"أبو محمد السوداني" (وهما رجلا دين مؤثران داخل التنظيم).وذلك علاوةً على المعتقلين من قيادات التنظيم في سجون "هيئة تحرير الشام"؛ إذ لا يزال الكثير من القادة في السجون، ومن أبرزهم "أبو بصير الديري"، و"خلاد الجوفي"، و"أبو مصعب التركي"، و"أبو عبد الله السوري"، وهو نجل "أبو فراس السوري" أحد أبرز رجالات "القاعدة".3– تراجع دور التنظيم بعد سقوط "الأسد": بات وجود "حراس الدين" يمثل عبئاً على القيادة السورية الحالية المنشغلة بملفات كبرى، ومنها تعزيز التواصل والتنسيق مع الأطراف الخارجية، وتقديم الضمانات الكافية بالسيطرة على الميليشيات في سوريا، وعدم تحول سوريا إلى منصة انطلاق لأي عمليات منها من شأنها أن تهدد الأمن الدولي. ومن ثم لم يعد لتنظيم "حراس الدين" أهميته ودوره في استراتيجية "هيئة تحرير الشام"، بعد أن كان وجوده يخدم الهيئة بشكل غير مباشر، من خلال تقديم صورة للعالم كطرف أقل تطرفاً من غيره، وكضامن ضد توسع تنظيمَي القاعدة وداعش.4– توصل التنظيم إلى صفقة مع "هيئة تحرير الشام": يبدو أن تنظيم "حراس الدين" قد توصل إلى صفقة أو هدنة مع "هيئة تحرير الشام" لإعادة ترتيب صفوف التنظيم وتنظيم نفسه مجدداً. وقد جاء ذلك بعد لقاء جمع قيادات المجموعة المسلحة مع "الشرع" في محافظة إدلب؛ حيث تم التوصل إلى اتفاق يقضي بحل التنظيمات المسلحة في سوريا وتسليم أسلحتها؛ لذلك يبدو أن قرار حل "حراس الدين" جاء بهدف إزالة أي مبرر لمواصلة القتال ضد التنظيم، خاصةً أن الشروط الأمريكية على "هيئة تحرير الشام" صارمة فيما يتعلق بمحاربة "داعش" و"القاعدة".كما يسعى تنظيم "حراس الدين" إلى منح "تحرير الشام" فرصة للسيطرة على الوضع. وفي السياق نفسه، يأمل رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا "أحمد الشرع" طمأنة القوى الخارجية بأنه لم يعد هناك فروع أو تنظيمات تابعة للقاعدة في سوريا؛ ما قد يساعد في إزالة "هيئة تحرير الشام" من قائمة التنظيمات الإرهابية.مسارات محتملةيمكن توقع ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل نشاط "حراس الدين" في سوريا بعد حله؛ وذلك على النحو التالي:1– اندماج تنظيم "حراس الدين" في الإدارة الجديدة: يعني ذلك أن "حراس الدين" سوف يستجيب لدعوة "الشرع" إلى تسليم السلاح والتخلي عن أعمال العنف والاندماج في المؤسسة الأمنية والعسكرية الجديدة (الجيش). ومع ذلك فإن هذا السيناريو قد يصعب تحقيقه، في ظل موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تنظيم القاعدة، ولأن "حراس الدين" يعتبر من التنظيمات المراقبة دولياً، ولا تزال الولايات المتحدة توجه ضرباتها العسكرية لمواقع التنظيم في إدلب. ويبدو أن واشنطن تريد بهذه الضربات توجيه رسالة إلى الحكومة الانتقالية في سوريا أنها لاتزال تعتبر هذا التنظيم تنظيماً إرهابياً.2– انشقاق عناصر من التنظيم واندماجهم في "داعش": يعني هذا السيناريو أن إعلان التنظيم عن حل نفسه سوف يدفع العناصر الساخطة الرافضة للقرار إلى الاندماج في تنظيمات أخرى، ومنها تنظيم "داعش"، الذي لا يزال يحاول توسيع نشاطه في فترة ما بعد سقوط "الأسد"؛ حيث أصبحت المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الجديدة محاطة بالصحراء، وهو ما قد يسهل هجمات خلايا تنظيم "داعش" ضد عناصر الإدارة الجديدة، خاصةً في ظل العداوة التاريخية بين تنظيم "داعش" والفصائل الأخرى التي اندمجت مؤخراً في وزارة الدفاع السورية.3– عودة التنظيم إلى القتال في سوريا في المستقبل: يعني هذا السيناريو أن تنظيم القاعدة لن يختفي من الساحة السورية؛ حيث دعا "حراس الدين" في بيان حله إلى عدم إلقاء السلاح، وهو ما يخلق معضلة أمام القيادة الجديدة. ولم يتخلَّ "حراس الدين" عن رؤيته في الحفاظ على أهدافه، وخاصةً أن الوضع الجهادي في سوريا أشبه بوجود طالبان في أفغانستان؛ أي أن القاعدة سوف تظل موجودة، وربما بصفة غير مرئية؛ وذلك لأن سوريا تمثل أهمية كبيرة بالنسبة إلى تنظيم القاعدة، وهي بمنزلة "جوهرة التاج في المواجهة مع إسرائيل". ومع تغير الظروف قد يعلن التنظيم عن نفسه ووجوده؛ إذ إن مشروعه الأساسي يدور حول بلاد الشام فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في النهاية، ومن ثم فهو عرضة للتحولات والديناميكيات الداخلية والإقليمية والدولية.سيناريو العودةإجمالاً، يمكن القول إن السيناريو الثالث "عودة تنظيم حراس الدين إلى القتال" يعد الأكثر احتمالاً لمستقبل التنظيم في سوريا؛ حيث قد يعمل التنظيم تحت مسمى جديد. ورغم إعلان "حراس الدين" عن حل نفسه، فإن الوضع السياسي في سوريا لا يزال هشاً، خصوصاً في ظل غياب الضمانات الكافية لالتزام التنظيمات المسلحة بعدم العودة إلى رفع السلاح ضد النظام السوري؛ إذ لا زالت الحكومة الانتقالية في سوريا تواجه تحديات كبيرة في السيطرة على نشاط التنظيمات المسلحة، ومنها&nbsp;الميليشيات الكردية والشيعية، بالإضافة إلى الميليشيات الجديدة التي تساند نظام "الأسد".ففي 25 يناير 2025، أعلنت ميليشيا عراقية جديدة تحت اسم "كتائب أولياء الحق" عن تأسيسها؛ ما يضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد العسكري. علاوةً على ذلك، تزايدت الدعوات إلى العنف من قبل الموالين السابقين لـ"الأسد" من العلويين، الذين طالبوا بحمل السلاح ضد القوات التي تقودها "هيئة تحرير الشام" في المحافظات الساحلية السورية، مثل طرطوس واللاذقية وحمص؛ ما يعكس استمرار حالة التوتر وعدم الاستقرار في البلاد.

ما دوافع تنظيم "حراس الدين" للإعلان عن حل نفسه؟